
عريضة بخصوص مسؤولية بريطانيا عن الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي:
ملخص
اجتمعت مجموعةٌ من الفلسطينيين، الذين تأثرت حياتهم بهذه الأحداث، في أيلول/سبتمبر 2025 للمطالبة بالاعتراف بمسؤولية بريطانيا، وتقديم اعتذار عن أخطائها، وبدء مسار للمساءلة والتعويض. وقد اختاروا تقديم عريضة قانونية إلى الحكومة البريطانية ("العريضة"). هذه الشكاوى ليست جديدة، لكن العريضة بحد ذاتها جديدة، إذ تعرض في أكثر من 400 صفحة أدلةً دامغةً على أفعال بريطانيا وإخفاقاتها والانتهاكات القانونية التي ارتكبتها، إضافةً إلى الخروقات التي مست مبادئ القانون الدولي آنذاك دون أي إنصاف حتى اليوم. كما توضّح آلية تقديم التعويضات، وتتضمّن تفاصيل عن مقدِّميها وتبيّن مطالبهم السبعة.
احتلت بريطانيا فلسطين من عام 1917 حتى عام 1948، مدّعية أن الانتداب الذي فرضته يمنحها الحق في حماية السكان وتسهيل انتقالهم إلى الحكم الذاتي. غير أن انسحابها ترك فلسطين تعاني انقسامًا عميقًا. فقد أسهمت السياسات البريطانية المتتالية، ابتداءً من وعد بلفور الذي تعهّد بمنح الشعب اليهودي وطنًا قوميًا في بلد كان معظم سكانه من العرب الفلسطينيين، في تعزيز الصراع العنيف وتمهيد عملية التقسيم.
هذه الأحداث ليست مجرد وقائع تاريخية؛ بل لا تزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا هذا. ومع ذلك، لم تعترف بريطانيا أبدًا بخطاياها وإخفاقاتها، لا من الناحية الأخلاقية ولا من الناحية القانونية، وما زالت تتصرّف كما لو أنها لا تتحمّل أي مسؤولية تجاه فلسطين.
مضمون الشكوى
يؤكد مقدِّمو العريضة بوضوح أنّ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي صُنع في بريطانيا إلى حدٍ كبير.
فمن خلال احتلالها لفلسطين عام 1917، وتراجعها عن التعهدات التي قطعتها للشعوب العربية، ثم فرضها نظام الانتداب عام 1922، غيّرت بريطانيا الطابع القانوني والسياسي والديمغرافي للأرض من دون أن تمتلك أي سلطة شرعية تخوّلها ذلك. وتتحمّل بريطانيا مسؤولية مباشرة ومستمرة عن الكارثة التي تلت تلك الأحداث، عبر قمعها لحركات المقاومة الوطنية، ثم تخلّيها عن الشعب العربي الفلسطيني عام 1948.
وتصنّف العريضة الانتهاكات الدولية التي ارتكبتها بريطانيا في ثلاث مراحل رئيسية: الاحتلال، القمع، ثم التخلي والتقسيم.
الاحتلال
شهدت الفترة ما بين 1917 و 1948 سيطرة بريطانيا على فلسطين من دون أي سند شرعي. وخلال ذلك ارتكبت ما لا يقل عن أربعة انتهاكات، يُشكّل كل واحد منها خرقًا لمعايير القانون الدولي السائدة آنذاك:
● أولًا: تنكرت بريطانيا دون أي خجل لمراسلات الحسين–مكماهون من خلال عدم وفائها بالتزاماتها تجاه استقلال العرب، بما في ذلك فلسطين، مفضِّلة عليها الوعود المتعارضة التي تضمنها وعد بلفور.
● ثانيًا: بصفتها قوة احتلال بين عامي 1917 و 1924، غيّرت بريطانيا بصورة غير قانونية الوضعين القانوني والسياسي القائمين، إذ سهّلت الهجرة اليهودية وعمليات الاستيطان، انتهاكًا لما تفرضه لوائح لاهاي، التي تُلزم قوة الاحتلال بالحفاظ على مؤسسات الأرض المحتلة.
● ثالثًا: كان انتداب فلسطين باطلًا من أساسه؛ إذ تجاوز صلاحيات ميثاق عصبة الأمم، وتعارض مع معاهدة لوزان، كما فُرض من دون استشارة السكان الأصليين.
● رابعًا: استمرت بريطانيا في احتلالها حتى عام 1948، ومنعت العرب الفلسطينيين من ممارسة أي حكم ذاتي فعّال، وشوَّهت البنية الاقتصادية والديموغرافية للأرض، وعزَّزت الانقسامات العرقية–القومية، وهيَّأت الظروف لاندلاع الصراع العنيف.
القمع
وُلدت الثورة العربية بين عامي 1936 و 1939 من رحم اليأس، نتيجة إنكار الحق في الإنصاف الديمقراطي، فقابلتها بريطانيا بقوانين طوارئ وإجراءات وحشية منهجية. وتمثل ردّها في فرض إجراءات قمعية شملت الاعتقال التعسفي والعقاب الجماعي والتحقيق تحت الإكراه والقتل خارج نطاق القضاء. لقد شكلت هذه السياسات "حكما بالقانون" – أي استخدام القانون أداةً للقمع – بدلًا من سيادة القانون الحقيقية. وتُعدّ الأفعال التي ارتكبتها بريطانيا آنذاك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وفقًا للقوانين والأعراف الحربية، و"قوانين الإنسانية" التي تبلورت في القانون الدولي العُرفي بحلول ثلاثينيات القرن العشرين. كما غدت الأساليب الاستعمارية البريطانية في القمع نموذجًا صُدِّر لاحقًا إلى أراضٍ أخرى، وانتقل بصورة غير مباشرة إلى الممارسات الإسرائيلية بعد عام 1948.
التخلي والتقسيم
كان الانتهاء المنطقي لسياسات الاحتلال والقمع البريطانية هو تفكيك فلسطين ككيان سياسي موحَّد عام 1948. فبعد أن دفعت بريطانيا نحو خيار التقسيم باعتباره حلًّا للانقسامات التي كانت هي نفسها قد غذّتها، انسحبت على عجل، معرقلةً عمل لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين، ومتخلّفة عن الوفاء بالتزاماتها بموجب المادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة وأحكام قانون الاحتلال. لقد توقعت بريطانيا ما سيترتّب على انسحابها، لكنها لم تفعل شيئًا لمنع الفظائع وعمليات الطرد التي نفّذتها الجماعات الصهيونية المسلحة ضد الفلسطينيين. وكانت النكبة – أي التهجير الكارثي لما يقارب 750 ألف فلسطيني – نتيجة متوقَّعة كان بالإمكان تجنّبها، وهي مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بتخلّي بريطانيا عن مسؤولياتها.
قانون مسؤولية الدولة
يؤكد القانون الدولي على مبدأ المساءلة وجبر الضرر عن الانتهاكات، حتى مع مرور الزمن. تستند العريضة إلى مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول (2001)، التي تُعَدّ اليوم بمثابة تقنين للقواعد العُرفية في القانون الدولي المتعلقة بجبر الضرر. وتنص هذه المواد على أن كل فعل غير مشروع دوليًا يستتبع المسؤولية (المادة 1)، وأن توصيف هذه الأفعال يُحدَّد وفقًا للقانون الدولي لا للقوانين الداخلية (المادة 3)، وأن نتيجته المباشرة هي الالتزام بجبر الضرر الكامل (المادة 31). ويشمل جبر الضرر، بحسب هذه المواد: إعادة الحال إلى ما كان عليه، أو التعويض المالي، أو الإنصاف المعنوي (المادة 34). أما الإنصاف المعنوي، فيتجسّد في أشكال متعدّدة مثل الاعتراف بالخطأ، أو التعبير عن الندم، أو الاعتذار الرسمي، أو اتخاذ أي تدابير أخرى ملائمة (المادة 37).
وبناءً على ذلك، تظل بريطانيا ملزَمة بواجب جبر الضرر الناتج عن الانتهاكات التي ارتكبتها في فلسطين خلال الفترة ما بين 1917 و1948.
مطالب العريضة السبعة
صاغ مقدّمو العريضة سبعة مطالب محدَّدة موجَّهة إلى حكومة جلالة الملك، لا يقتصر هدفها على الاعتراف بالمسؤولية التاريخية، بل تهدف أيضًا إلى بدء مسار للمصالحة وجبر الضرر، وفتح الطريق نحو تحقيق العدالة:
النظر في العريضة وما تستند إليه من أدلة بما يتوافق مع التزامات الحكومة من خلال إعادة تقييم الأدلة المتعلقة بالأخطاء الأخلاقية وغير القانونية التي ارتُكبت خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية.
إجراء بحث عن أي وثائق أو أدلة أو معلومات لم يُفرج عنها بعد في الأرشيف الوطني البريطاني والتي تدعم مطالب العريضة، وأخذ هذه المواد بعين الاعتبار وإتاحتها للعامة.
تبني موقف من العريضة يتسم بالصراحة والشفافية والوضوح، انسجامًا مع الالتزامات المعلنة باحترام سيادة القانون، بما في ذلك القانون الدولي.
الرد على العريضة بشكل كامل وعلني.
الاعتراف بالانتهاكات التي ارتُكبت خلال تلك الفترة، والعمل على تعزيز وعي المجتمع البريطاني بالعواقب السلبية لتلك الحقبة التاريخية.
تقديم اعتذار رسمي علني على شكل بيان يتلوه رئيس الوزراء في مجلس العموم.
التحقيق بحسن نية في الأشكال المناسبة للمساءلة، وجبر الضرر، والإنصاف، والاستثمار في الشعب الفلسطيني ودولة فلسطين، في ضوء الانتهاكات والمسؤولية التي تعترف بها بريطانيا.
مقدّمو العريضة
المقدِّم الرئيسي للعريضة هو السيد منيب رشيد المصري، الذي وُلد في نابلس عام 1934، ويعد رجل أعمال و فاعل خيري فلسطيني بارز. تولّى والده وجده منصب المختار في ظل الحُكمين العثماني والبريطاني. وخلال مسيرته الطويلة، سعى إلى تعزيز الوحدة الفلسطينية، وتطوير مؤسساتها، وتشجيع الحوار بين العرب واليهود، وفي معظم أدواره ظلّ فاعلًا مستقلًا من المجتمع المدني بعيدًا عن السياسة الحزبية. أما باقي مقدّمي العريضة، فيمثّلون شريحةً واسعةً من المتضررين الذين ينتمون إلى مختلف فئات المجتمع الفلسطيني؛ منهم من لا يزال يعيش في فلسطين، ومنهم من هُجّر منها قسرًا. وبعضهم عاش ونجا من الاحتلال البريطاني، فيما ينتمي آخرون إلى أبناء وأحفاد من شهدوا فظائعه. وتتضمن العريضة ملخّصًا لتجاربهم وشهاداتهم.
الخاتمة
لا تنصرف العريضة إلى مسألة الاعتراف بإسرائيل بعد عام 1948 في إطار القانون الدولي. بل تركّز على الدور التاريخي لبريطانيا والحاجة الماسّة إلى الاقرار وجبر الضرر. وهي تقوم على مبدأ أن العدالة تتطلب مواجهة الماضي بشجاعة وصدق. ويؤكد مقدّمو العريضة أن المملكة المتحدة تتحمّل مسؤولية خاصة عن جذور الصراع القائم حتى اليوم، وأن الاعتراف بهذه المسؤولية يُشكّل خطوة أساسية على طريق المصالحة. ومع مواجهة الفلسطينيين أخطر أزماتهم منذ عام 1948، يصبح التحرّك العاجل أمرًا بالغ الأهمية. وتشكل المطالب السبعة نقطة الانطلاق لوجوب وفاء بريطانيا بالتزاماتها المستمرة بموجب القانون الدولي، ولبدء مسار إصلاح الضرر الذي خلّفه ماضيها الاستعماري.